Islam Boekenmarkt

Zoeken
Sluit dit zoekvak.

الفتنة الكبرى

هذا حديث أريد أن أخلصه للحق ما وسعني إخلاصه للحق وحده، وأن أتحرى فيه الصواب ما استطعت إلي تحري الصواب سبيلا، وأن أحمل نفسي فيه علي الانصاف لا أحيد عنه ولا امالئ فيه حزبا من أحزاب المسلمين علي حزب، ولا أشايع فيه فريقا من الذين اختصموا في قضية عثمان دون فريق، فلست عثماني الهوي، ولست شيعة لعلي، و لست أفکر في هذه القضية کما کان يفکر فيها الذين عاصروا عثمان واحتملوا معه ثقلها وجنوا معه أو بعده نتائجها.

وأنا أعلم أن الناس ما زالوا ينقسمون في أمر هذه القضية إلي الآن کما کانوا ينقسمون فيها أيام عثمان رحمه الله، فمنهم العثماني الذي لا يعدل بعثمان أحدا من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم بعد الشيخين، ومنهم الشيعي الذي لا يعدل بعلي رحمه الله بعد النبي أحدا لا يستثني الشيخين ولا يکاد يرجو لمکانهما وقارا، ومنهم من يتردد بين هذا وذاک يقتصد في عثمانيته شيئا، أو يقتصد في تشيعه لعلي شيئا، فيعرف لاصحاب النبي مکانتهم ويعرف لاصحاب السابقة منهم سابقتهم، ثم لا يفضل بعد ذلک أحدا منهم علي الآخر يري انهم جميعا قد اجتهدوا ونصحوا لله ولرسوله وللمسلمين، فأخطأ منهم من أخطأ وأصاب منهم من أصاب، ولاولئک وهؤلاء أجرهم لانهم لم يتعمدوا خطيئة ولم يقصدوا إلي إساءة، وکل هؤلاء إنما يرون آراءهم هذه يستمسکون بها ويذودون عنها و يتفانون في سبيلها، لانهم يفکرون في هذه القضية تفکيرا دينيا، يصدرون فيه عن الايمان، ويبتغون به ما يبتغي المؤمن من المحافظة علي دينه والاستمساک بيقينه وابتغاء رضوان الله بکل ما يعمل في ذلک أو يقول.

وأنا أريد أن أنظر إلي هذه القضية نظرة خالصة مجردة لاتصدر عن عاطفة ولا هوي، ولاتتأثر بالايمان ولا بالدين، وإنما هي نظرة المؤرخ الذي يجرد نفسه تجريدا کاملا من النزعات والعواطف والاهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغاياتها.

Schrijver:

طه حسين

Uitgeverij:

الأهلية للنشر والتوزيع

Aantal pagina's:

550

 17,99